>
Zurück / عودة الى الرئيسية
توفي في برلين قبل أيام المثقف والمناضل المصري أحمد عزالدين. في ما يلي كلمة عن الراحل
بقلم : كاظم حبيب
كانت فرصة جميلة حين تعرفت في نهاية الثمانينيات وبداية العقد الأخير من القرن العشرين ببرلين على المواطن المصري الأستاذ أحمد عزالدين. حيث كنا نعمل في مجال الثقافة والدفاع عن حقوق الإنسان ونتحاور حول مشكلات العالم العربي المتفاقمة والنظم غير الديمقراطية السائدة فيها، والعواقب الوخيمة المترتبة عنها على حياة ومعيشة المجتمعات العربية والشرق أوسطية عموماً. تم ذلك التعارف عبر الصديق الدكتور حامد فضل الله (السودان) حيث بدأنا العمل المشترك في "منظمة حقوق الإنسان في الدول العربية/ألمانيا" (أمراس). كانت للزميل أحمد عزالدين منذ أن عرفته، سمات لا يخطئها الإنسان. فهو مثقف حر وديمقراطي تقدمي وعلماني تنويري، مثقف عضوي. عرفت وهو يحمل فكراً ورؤية سياسية تقدمية واضحة، إنساناً مستقلاً لا ينتمي لأي حزب سياسي أو جماعة سياسية، ويجد علاقة إنسانية حميمة مع الجميع. كان أحمد مناضلاً جريئاً ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية التي تعان منها الدول العربية وشعوبها وعموم منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
لقد درس بعناية وتوسع في فهم تاريخ ونضال الشعب المصري وشعوب الدول العربية والمنطقة، وكان عارفاً بالمشكلات الكبيرة للمجتمعات العربية وله رؤيته الديمقراطية والتقدمية للحلول الواقعية والعملية التي تحتاجها شعوب الدول العربية لتجاوز أوضاعها وأزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستديمة.
امتلك أحمد عزالدين وعياً حقوقياً رفيع المستوى، فكان مدافعاً أميناً عن حرية الفكر والعقيدة وحق الإنسان في الاختلاف وأهمية الاعتراف بالآخر، أياً كان دينه أو مذهبه أو قوميته أو جنسه، كان ضد العنصرية والتمييز الديني والمذهبي وضد الطائفية الدينية والمذهبية السياسية، وضد كل اشكال التمييز إزاء المرأة ومناضل عنيد من أجل حريتها وحقوقها كاملة غير منقوصة. تميز أحمد بكراهيته للاستعمار والقوى الرجعية المساندة للهيمنة الأجنبية على الدول العربية، وكانت تتجلى هذه الرؤية الواضحة والديمقراطية في المحاضرات التي كان يقدمها في برلين، لاسيما عمله مع الدكتور حامد فضل الله في "حوار الشرق والغرب"، وهي منظمة مجتمع مدني قدمت مجموعة كبيرة من المحاضرات والندوات واللقاءات بالتعاون والتنسيق مع مجموعة من المثقفات والمثقفين الألمان في برلين. كما تعاون مع "منتدى بغداد للثقافة والفنون"، وكذلك مع "الملتقى العربي للفكر والحوار" وهي منظمات ثقافية نشطة في برلين.
كان أحمد عزالدين ناقداً صريحاً وجريئاً وحيوياً في مناقشاته الثقافية في الندوات التي كان يشارك فيها، لا يجامل في المسائل التي يعتقد ضرورة نقدها دون تعصب أو إساءة لصاحب الرأي الآخر. كان أحمد سريع الانفعال في النقاش، إلا أن كان في مقدوره السيطرة على نفسه وممارسة الحوار بحماس ملموس. ولا بد هنا من الإشارة إلى أنه كان فناناً في داخله وعزفاً جيداً على العود.
تبنى بحرارة قضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الدول العربية بعيداً عن مشاريع وبرامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ورافضاً إياها باعتبارها مناهضة فعلية لأي تغيير ديمقراطي وتقدمي في بنيتي الاقتصاد والمجتمع المشوهتين. لقد أكد في محاضراته ضرورة التخلص من العلاقات الإنتاجية البالية والتخلف الصناعي والزراعي والتشوه في البنية الاقتصادية وما ينشأ عنها ويقترن بها من تخلف في البنية الاجتماعية أو الطبقية، وبالتالي في الوعي الفكري والاجتماعي والسياسي في المجتمعات العربية وعواقبها الوخيمة على حياة ومعيشة ومستقبل الإنسان فيها.
وقف باستمرار إلى جانب قضايا الشعوب العربية وشعوب الشرق الأوسط وشعوب البلدان النامية، كما كان له موقفه الواضح دفاعاً عن حق الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة دولته الوطنية المستقلة على أرض وطنه وعاصمتها القدس، كما كان مناهضاً حازماً ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وإقامة المستوطنات الصهيونية فيها وضد السياسات اليمينية المتطرفة التي تمارسها الدولة الإسرائيلية إزاء شعب فلسطين والمناطق العربية الأخرى المحتلة من قبل إسرائيل. كما رفض التطبيع الجاري بين بعض الدول العربية وإسرائيل مؤكداً أهمية أولية إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على أرض الوطن وعاصمتها القدس، وأدان سياسة ترامب إزاء منظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية والقدس الشرقية.
لقد حيا الربيع العربي ووقف بحماس وإيجابية كبيرة وأمل كبير إلى جانب ثورة الشعب المصري ضد الاستبداد والقهر السياسي والاجتماعي وضد الفقر والبطالة والحرمان. ولم يفقد الأمل في أن الربيع العربي، الذي شهد الانتكاس عبر الإخوان المسلمين والعسكر، لم ينته بأي حال وسيعود الشعب المصري للنضال من أجل الخلاص من كل أشكال الاستبداد والعسف والقهر والحرمان. إلى جانب مواقفه الوطنية والقومية الديمقراطية كان له حس أممي نبيل ومواقف مشرفة إزاء نضال وحرية وسيادة وتقدم شعوب البلدان النامية. ولا بد من الإشارة أيضاً كان فناناً وعازفاً على العود. لم نستفد بما فيه الكفاية من معارفه وخبراته وهو بيننا، فلنعمل من أجل جمع ما تركه من أعمال ونشرها لصالح عملية التنوير والديمقراطية التي عمل من أجلهما. ترك خلفه ابنة وابناً فتعازينا القلبية لهما ولأهل الفقيد والذكر الطيب له.
لقد فقدنا بموت أحمد عزالدين نموذجاً نادراً وشخصية متوازنة ووفية للقضايا التي اعتقد بها وناضل من أجلها، كما كان وفياً لوطنه وشعبه ولأصدقائه ومعارفه.