>
Zurück / عودة الى الرئيسية
بعد نشري على موقعنا هنا الجزء الأول من بدايات كتاباتي الأدبية حيث طرقتُ باب القصة القصيرة، انتقلت في الجزء الثاني إلى باب مذكراتي حيث نشرت فيه عن الراهبة التي شغلت فكري وأنا في الخامسة من العمر، واُصابتني بخيبة أمل حين التقيتها ثانية وأنا في السابعة والعشرين!. وفي الجزء الثالث أنشر هذه المرة بعض قصائدي النثرية التي كتبتها في ستينيات القرن الماضي قبل أن أهجر الشعر عقب هزيمة الخامس من حزيران 1967 الصادمة. وفي العام 2010 عدتُ إلى كتابة الشعر من جديد، فصدر ديواني الأول تحت عنوان "لا حيلة لي" عن "دار الفارابي" في العام 2014 في بيروت. ومنذ عامين تقريباً انتظر قيام أوضاع أفضل في لبنان والدول العربية لإصدار ديواني الشعري الثاني، وكذلك مجموعة قصص قصيرة. وفيما يلي قصائدٌ خمس من ديواني الصادر:
1
انشودةُ حبّ
ماذا تريدين مني أن أقولْ
فوق ما قلته لكِ؟
أن أقولَ إنني أحبُّكِ؟
أحبُّك ِ.
ماذا تريدين مني أن أفُعلَ بعد،
فِعلَ ما لم أفعلهُ؟
أن أعصُركِ في داخلي؟
تعالي!
لِمَ تَطْلبينَ مني الإقرارَ بحُبّي
لمَ ؟
اعتدتُ تناولَ القُربانِ دون اعترافْ.
اعتدتُ امتلاكَ الشيء دون تفكيرٍ،
دون اكتراثْ.
لستُ أدري لمَ نفسي،
مذْ عرفَتك ِ
أَبعَدتْ عني هذه العادة.
لستُ أدري لمَ أصبحتُ
مُتعطّشاً إليكِ،
للحبّْ،
لصفاء عينيكِ.
كم أحببتُ زِرقةَ البحر في عينيكِ.
أُحبُّكِ.
أُحبّك كإشراقةِ الشمسِ الوادعةْ،
كَترْنيمةِ البلْبُلِ في الشَجرْ،
كعَمْدِ الوردِ بالنَدى في السَّحَرْ.
أحبُّكِ.
أقولُها الآن
أَردْتِ ذلك أو لم تَرِدِ.
أقولها ويَترددُ صَداها
في وادي نَفْسيَ العميقْ،
في ثناياهْ، في أجملِ طَريق.
أحبُّك ِ. أحبّكِ.
الميناء، 1966
2
أعطني وخُذْ منّي
أعطني وخُذْ مني.
أعطني أن أحبَّك كثيراً.
أن أعْبدك كثيراً.
كَوِّنْ لي عالماً أغفو على شَواطِئهِ.
كُن ْ لي حُلماً صَبوتُ إليه.
لِفَّني بِكَفنِ وجودٍ.
عَرِّني بنَظراتِ خُلودٍ.
أعطني وخُذْ منّي.
أعطني أشياءَ أُحبُّها.
زِرْقَةَ العيونِ أريدُها.
خذ مني حقيقتي، خذني.
بأمواجِ حُبٍّ كلّلني،
وخذني..
إلى عالمٍ ضيّقٍ أُرتِّبه،
أُعطيهِ أبعاداً. أوسِّعهُ.
أجيءُ بشمسٍ وقمرٍ
أقطفُ بذورَ نجومٍ. أزْرَعُها.
لا تَسلْني يا حبيبي،
كلُّ شيءٍ يهونُ عندي،
فقطْ أعْطني وخُذْ منّي.
الميناء، 1967
3
مِثْلَ عُصفورٍ أحْمقٍ
نَفسيَ بعيدةٌ عني اليومْ.
لَمْلمتْ منذ الأمسِ أشياءَها
ومَشتْ،
وتركتني في هُوَّةٍ عميقةٍ
أجْترُّ فيها وحدي
تَجْرُبةَ المَكانِ والزَمانْ.
نِباحٌ حُبلى تَأكلُ أذنيَّ كلَّ مساءْ.
المَساءُ يَلفّهُ الظلامُ
الذي لا لونَ لهْ.
نَفْسي مِن صِنْعِ هذا الظَلامِ أتَتْ
شَفّافةً كاللاشيءْ،
مُرفْرفةً كالعَلمِ البريءْ.
صاعدةً كأبخِرة الجنون المعتّقْ.
نَفْسي خَذلتْني اليومْ.
غَدرتْ بي.
ونامتْ مثل عُصفورٍ أحْمقٍ
في عيني الأبديّةْ.
نِباحٌ حُبلى ردّدها لي الصدى
من جديدٍ،
ونفسي الظامِئةُ إلى العودةِ
تَصْرخُ بعيونٍ حولاء.
بِأصابعَ تَعدَّتِ العشرة.
بوجودٍ تَخطَّى
الحدَّ الفاصل للاوجودْ.
وأْنْظرُ.. وأنتظرْ..
نَفسيَ لن تَعودَ إليَّ اليومْ.
لن تعودَ غداً،
أو حتّى بَعدَ غدْ.
لن أقولَ إنها ضاعَتْ،
لن أدَّعي أنها ربَّما
ضَلَّتِ الطَريقْ، لا...
لكنَّني حَتماً من حُلُمي البائسِ
سَأفيقُ.. سَأفيقْ.
الميناء، 1967
4
عيناكِ
عيناكِ.. ما عيناكِ؟
عُصْفوران شِراعيان أزرقانِ،
أفرُدُهما في الليالي الخاشعاتِ
للرياحِ الآتيةِ من الغزواتِ.
أحلّقُ فيهما إلى بلادٍ
تَكْعيبيةَ الشكلِ والرموز،
حيثُ الحبُّ
كلمة ٌحُبلى في تمّوز.
أشقُّ بهما عُبابَ الغيابِ.
أدخل ُ بهما طيّات الضبابِ.
وأسافرُ إلى فوقْ،
فوقِ سُحُبِ الغيوم المتبدّلةْ،
إلى أبعدِ من النجوم الذابلةْ،
وأُغنّي.
وأدعُ الأمطارَ تهطلْ.
ولا أسألْ. ولا أرحل ْ.
شَعْرَكِ الذهبيُّ
جدائلُ مِرساةِ البحار القَرْمزيّةْ.
وجهَكِ وجهُ عشتروتِ،
إلهةُ الجمالِ الفينيقيةْ.
عَيْناكِ زورقا أحلامٍ غجريةْ،
وليالي ألفِ ليلةٍ شرقيةْ.
عَيْناكِ ما عيناكِ؟
الميناء، 1967
5
جمرٌ ورماد
أمّاه،
وطالتِ السنونْ،
والجَمْرُ تحتَ الرمادِ مدفونْ،
مَقْتولٌ بالحَياةِ، مَطْعونْ.
أمّاه !
حَرِّكي الرَمادَ يا أمّاه،
زيديهِ ناراً، زيديهِ اشتعالاً،
وانفُخي.
انفُخي يا أمّاه !
فَجيلٌ من الجمر الغاضبِ سيظهرْ،
جيلٌ صاعق ٌ. جيلٌ أكبرْ،
غنيُّ الوجناتِ يا أمّاهُ
أحمرْ.
بكلِّ عُروقِ عُنقكِ
الذي كان بالأمسِ جميلا
انفُخي،
انفُخي ليَحْمرَّ أكثرْ.
أمّاه، يا أنتِ يا أمّاه
أتسْمَعينَ صُراخَ الشعبِ في مَنْفاه؟
أتشْعُرينَ باللهبِ الذي حرَّكتْهُ يداه؟
أأنتِ هنا يا أنتِ، يا أمّاه؟
إخوتي جياعٌ.
جوعانٌ أنا.
الجوعُ الذي نَحُسُّ به
جوعُ الحياةْ،
تَرْنيمةُ حُرّيةٍ فجَّرتْ فضاءهْ.
ونُقْتلُ كالخنازيرِ، نَلحسُ الشقاءْ.
أمّاه !
ألمْ تُحرّكيِ الرَمادَ بعد يا أمّاه؟
.....
.....
ــ بَلى، بَلى
إن الرمادَ الدمَ البقاءْ
بدأ يَسْتَنشِقُ الهواءْ.
الميناء، 1968