>
Zurück / عودة الى الرئيسية
يتابع الشاعر اسكندر الديك نشر قصائدَ له من ديوانه "لا حيلةَ لي":
قمرُ مايوركا
لم يبقَ الكثيرُ عن العربِ
لكي يحدّثُك أحدٌ عنهم في مايوركا،
الجزيرةِ التي دخلوها
وضمُّوها إلى الخلافة الأمويةْ،
مطلعَ القرنِ العاشر ميلادي
إلى جوهرةِ الأندلسِ قرطبةْ.
لم يبقَ سوى قمرُ مايوركا
يطلُّ من الشواهقِ
ليلةً بعد ليلةْ،
ينيرُ خُلجانَها أمام العشاقِ،
يَقيها ظُلمةَ البحر الأبيضِ
من كلِّ جهةْ،
ويكْشفُ بحياءٍ
ما بقي للعربِ من أطلالْ
بعد قرونٍ ثلاثةْ
قبل أن يأتي الفاتحُ ياكوب الأولْ
ليأخذَ ثأرهُ
ويزعزعَ الأرضَ
ويستعيدَ الدولةْ.
لم يبقَ الكثيرُ عن العربِ
لكي يحدّثك أحدٌ عن الجزيرة التي
وهَبوها اسْمَها،
وشيّدوا مسجِداً كبيراً فيها
فَحوّلهُ الملك الأراغوني الفاتحْ
إلى جزءٍ من كاتدرائيةٍ شامخةٍ
عَلتْ عظَمتُها قصرَ "المودينا"،
وحَجبتْ ضَخامتُها بقايا
"زقاق الحمّامات" الأندلسيةِ،
وتَقدّمَها على جهة الغربِ
تمثالُ رامون لول،
روحُ المايوركيين وراعي إرثَ العربْ.
لم يبقَ سوى "بني سالمٍ" و "بني البفارِ"،
وبقايا ما يشْهدُ على تاريخٍ تغرَّبْ.
لا شيءَ غير ذلك يذكّركَ بماضي العربِ
في مايوركا، لا شيءَ آخرْ.
وهل يتذكّرُ عربانُ اليوم مايوركا
وبلادَ الأندلسِ،
ومدناً وأسماءً أشهرْ؟
وكيف يتذكرون حضارةً شعَّتْ
مثلَّثة َالأضلاع ِ والأديانِ؟
بلادُ الظلْمةِ ـ أوروبا ـ
نَهلَتْ منها المعرفةَ،
وبها استيقظتْ من سُباتها العميقِ
لِندْخلَ نحنُ، بلاد النورِ
في سُباتٍ أعمقْ.
انْدثرَ الكثيرُ الكثيرُ في مايوركا
ووحدُه قمرُها باقٍ
شاهداً على ماضيها ومستقْبَلها،
يَخْرجُ عليها ليلاً ليطْردَ عنها الظُلْمةَ
ويسْتَرقَّ النظرَ إلى خُلْجانِها
وما تبقى من آثارٍ لافتةْ،
فسلامٌ على مايوركا،
وعلى قمرِ مايوركا
ليْلةً بعد ليْلةْ.
مِثل عصفورٍ أحمقٍ
نفسيَ بعيدةٌ عنيَّ اليومْ.
لَمْلمَتْ منذ الأمسِ أشْياءَها
ومَشَتْ،
وتَركتْني في هُوَّةٍ عميقةٍ
أجْترُّ فيها وحدي
تجْربةَ المكانِ والزمانْ.
نباحٌ حُبْلى تأكلُ أذنيَّ كلَّ مساءْ.
المساءُ يلفُّهُ الظلامُ
الذي لا لوْنَ لهْ.
نفسيَ من صُنع ِهذا الظلامِ أتتْ.
شفّافةٌ كاللاشيءْ،
مُرفْرِفةٌ كالعلمِ البريءْ.
صاعِدةٌ كأبْخِرةِ الجنونِ المُعتّقْ.
نفسيَ خَذلتْني اليومْ.
غَدرتْ بي.
ونامَتْ مثلَ عصفورٍ أحمقٍ
في عينيّ الأبديّةْ.
نباحٌ حُبلى ردَّدها لي الصدى
من جَديدٍ،
ونفسيَ الظامِئَةُ إلى العودةِ
تصْرخُ بعيونٍ حَولاءْ.
بأصابعَ تَعدّت العشر.
بوجودٍ تخَطّى
الحدَّ الفاصلَ للاوجودْ.
وأنظُرُ.. وأنتظِرْ..
نفسيَ لن تعودَ إليَّ اليومْ.
لن تعودَ غداً،
أو حتى بعدَ غدْ.
لن أقولَ إنها ضاعتْ،
لن أدَّعي أنَّها ربما
ضَلّت الطريقْ، لا...
لكنَّني حتماً من حُلمي البائسِ
سأفيقُ.. سأفيقْ.