>
Zurück / عودة الى الرئيسية
دبي ـ أمل الجمل
وصلتها أغنية عربية جميلة من طريق الراديو، فسألت سائق التاكسي إن كان يعرف اسم المغني وكانت إجابته صادمة كالصاعقة. إنه جدها لأبيها، أحد أشهر المطربين في تونس الذي كان يُلقب بـ «فرانك سيناترا» الموسيقى التونسية. في تلك اللحظة فقط عرفت السائلة أن جدها الهادي الجويني كان سوبر ستار في مجال الطرب التونسي، هو الذي اشتهر بتأليف وتلحين وغناء العديد من الأغنيات منها الأغنية الشهيرة «لاموني اللي غاروا مني قالولي اش عجبك فيها، جاوبت اللي جهلوا فني خذوا عيني شوفوا بيها».
وفي تلك اللحظة بالذات، قررت الحفيدة المنتجة البريطانية التونسية كلير بالحسين أن تعود إلى تونس لتجوب شوارعها بالكاميرا بحثاً عن تاريخ جدها ومجده، هو الذي كان واحداً من أكبر مبدعي تونس، بل كان أيقونة لجيل الأربعينات والخمسينات. وهكذا تحركت كلير مدفوعة برغبة التنقيب عن الهوية وقد قررت المرأة الشابة التي عملت علي مدار سنين في مجال الإنتاج أن تخوض تجربة الإخراج للمرة الأولى لتقدم فيلمها «الرجل خلف الميكروفون» الذي سبق له كمشروع وأن فاز بجائزة مالية من مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية الطويلة والقصيرة عام ٢٠١٤، مثلما حصل على منح من صناديق دعم كثيرة من بينها قمرة بالدوحة، ومن تونس ودبي. ولقد أجزت كلير فيلمها وعرض أخيراً في الدورة الرابعة عشر لمهرجان دبي السينمائي، ضمن عروض سبعة أفلام تونسية أخرى لافتة المستوى، وكان لافتاً كيف أعقب عرض الفيلم حفل موسيقي حي لأجمل أغاني «الهادي الجويني»، أداها ولداه عفيفة بلحسين (غناء) وعادل بلحسين المشهور بعزفه على عدة آلات موسيقية.
الفن مفتاح سحري
تقول كلير: «فُتح الباب وكان جدي هو المفتاح، بدأت الذاكرة تعمل، وكأنني فتحت صندوق بانورا»، وانهالت التساؤلات كيف ولماذا بقيت كل تلك السنوات من دون أن تعرف حقيقة أنها حفيدة رجل كان الشعب التونسي يعتبر أغنياته أبدية، فقد غنى للمرأة، وللحرية، وللحب؟ لماذا لم يتحدث والدها عنه؟ هنا جاءتها حكايات كثيرة عن الجد الذي لم يكن يحب أن يتحدث عن نفسه، عن والديه الذين لم يرغبا في أن يكون موسيقياً بسبب النظرة الدونية إلى الفن، والى الطرب وارتباط ذلك بالعلاقات مع النساء، عن الجدة اليهودية - زوجة الهادي - وإخفاء تلك المعلومة طويلاً، فقد ارتبط الفنان الشاب يومها بقصة حب مع تلك السيدة وتزوج منها من دون أن يتحدث عن هويتها، ففي ذلك الزمن لم يكن يحدث أن يتزوج مسلم من يهودية، وحتى الأبناء لم يكن يتم الحديث معهم في شأن ذلك. ثم يتطرق الحديث في الفيلم بعد ذلك عن كيف ساعدته الزوجة في أغانيه، عن حبهما لبعضهما بعضاً في صمت ومن دون إخبار الآخرين، وكيف تخلت الجدة عن موهبتها في التمثيل والغناء، فقد اشتهرت وقتها بجمال صوتها العذب، لأجل الزوج الغيور، وندمها على ذلك لاحقاً عندما أصبحت سجينة لدى زوجها وأولادها، وأنها ضحت بنفسها وحياتها من أجل أبنائها. ثم يعرج الأبناء بحديثهم الحميمي عن خصوصية العلاقة بين والديهما، عن التفاف النساء الكثيرات حول الهادي، عن المعارك الزوجية والشجار الذي نشب بينهما بسبب ذلك، عن محاولات الأبناء فض الشجار بينهما وتأثير ذلك فيهم، عن تفكير الزوجة (جدة المخرجة) مرتين في الطلاق وأن تلحق بعائلتها في إسرائيل، عن ضريبة الحياة مع مطرب مشهور، فالمرأة هي التي تدفع ثمن ذلك.
قراءة العام من الخاص
ومهما يكن من الأمر هنا، لا تكمن أهمية هذا الفيلم فقط في كونه عن الهادي الجويني، ولكن كذلك وخاصة في كونه قراءة ذكية هامسة في تاريح تونس المعاصرة وسنوات الاحتلال. هنا، وأثناء بحث الحفيدة في تاريخ عائلتها، نراها تحكي عن تاريخ البلد، وثقافة شعبه، كيف كانت النظرة للزواج بين مسلم ويهودية. (فالجدة كانت كما قلنا، مرفوضة من العائلة لأنها يهودية)، وكيف كان لكلمة «الرجل» معنى مغاير عن كلمة «المرأة» فهو مسموح له بكل شيء ومن حقه فعل ما يُريد، أما المرأة فلا، فطبيعة العلاقة بين الرجال والنساء التي تفتقد المساواة تتكشف في أكثر من موقف خصوصا مع زيارة الممثلة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينالي إلي تونس وطلبها لقاء الهادي الجويني.
* في البناء السردي للفيلم- الممتع، المشدود الإيقاع والجذاب- كانت كلير هي حلقة الوصل الدائمة، لكن في شكل غير طاغٍ، هو وجود أقرب إلى أثر الفراشة، هي الراوي الذي يظهر ويختفي، تطرح التساؤلات بصوتها، تجوب الشوارع بخفة الظل، تستعين بلقطات وحوارات من التلفزة التونسية، وكثير من اللقطات الأرشيفية العائلية المتنوعة- تُعتبر كنزاً ثرياً- للجد والجدة والأبناء والحفيدة ذاتها في البيت والمصيف والرحلات ولحظات المرح والقُبل، واللقطات العاطفية المشاكسة الظريفة، إلى لقطات من الشارع التونسي في تلك الحقبة، ولقطات أرشيفية لآراء الناس العبرين في الشارع حول موسيقى وغناء الجويني. ثم لقطات حديثة لآرائهم وقت تصوير الفيلم. وكل هذا إلى جانب حوارات مع عدد من أفراد العائلة إضافة إلى الجدة والأب نفسه والد المخرجة الذي كان مغرما بالموسيقى الغربية وتزوج من بريطانية، والذي وافق أن يعود إلى تونس بعد انقطاع طويل لتصوير الفيلم. ثم الحديث بخاصة عن العائلة التي تفرق شملها- بموت الهادي الجويني والذي كان لقبه الأصلي بالحسين- بين كاليفورنيا، وباريس، وإنكلترا، ولقاء الأخت عفيفة بعد ١٥ عاماً من الفرقة، والتي تقول: «لم يكن أبي ينتمي لنا وحدنا، بل هو كان ملك جمهوره». ثم زيارة بيت الجد في صحبة الأب ليشرح ذكريات وتفاصيل البيت والانقطاع عن زيارة الأم، وتأثير ثقافتها في الأبناء، وتصرف كل طفل منهم كيهودي، ونظرة المجتمع إليهم. ثم لقاء الأخوين بعد الفراق في إنكلترا في مشهد مؤثر يعترف فيه أحدهما بأن «الشعب التونسي عشق والدهما، وأنه كان رجلا غير عادي، حتى عندما كان أحيانا يغضب بشدة ويكون في حالة عصبية عنيفة لكن ما أن يصعد على خشبة المسرح حتى يتوقف الناس عن رؤية أي شيء فيه سوى الفرح والسعادة ماثلين على وجهه. صحيح كان رجلا عظيما، وغير عادي، ولكن ماذا كان الثمن؟!
في «الرجل خلف الميكروفون» لم تتخل الحفيدة في أول تجاربها السينمائية الوثائقية عن حس تشكيلي لافت، واختيارات فنية ذات مغزى في التصوير وقوة وضوح العدسة ودرجات ضبابيتها، وتكوين الكوادر في جميع الحالات، وتوظيف أغاني الجد في الخلفية في شكل سينمائي شديد الحساسية ربما لارتباطها القوي بموضوع الفيلم، فالرحلة ونتائجها بالنسبة إليها كانت غير متوقعة، ففي أعماقها كانت هي أيضاً تبحث عن هويتها، لأنها مثل والدها وعائلتها مزدوجة الجنسية، متعددة الثقافة، فالموسيقى كانت لها وطناً، ومكان لا يقصد منه العيش فيه بمقدار ما يعني الفهم وإدراك النفس.
حضور مشرقي وتكريم السينمائي السوري محمد ملص
باريس - «الحياة»
بخطى حثيثة، يقترب مهرجان فازول الدولي للسينمات الآسيوية من عامه الذي يمثل بلوغه ربع قرن من عمره. فهو يقيم أواخر شهر كانون الثاني (يناير) المقبل دورته الرابعة والعشرين التي يسير فيها، كما يشير مفوضّه العام جان- مارك تيروان، على الدرب التي اختطّها لنفسه منذ بداياته: تقديم أفضل نماذج لتلك السينمات الطموحة التي تُحقّق في بلدان آسيوية عديدة «تمتد من الأورال إلى المحيط الهاديء ومن قناة السويس إلى المحيط الهندي»، كما يقول بيان المهرجان. ويلفت تيروان النظر إلى الأهمية الخاصة والمتجدّدة التي يسبغها مهرجان فازول في دورته لهذا العام، على السينمات العربية، لا سيما منها هذه المرة تلك التي تعود إلى سورية ولبنان وفلسطين، حيث تُقدَّم نماذج لافتة ويشارك في التظاهرة عدد من سينمائيي هذه المناطق الثلاث.
أما العمــــود الفقري لهذا الاهتمام السينمائي ببلدان المشــرق العربي فيتجلى في التكريم الخاص الذي يكرَّس للسينمائي السوري محمد ملص في حضوره، وهو تكريم يشمل لقاءات مع ملص، لكن أهم من هذا أنه يشمل عروضاً لعدد لا بأس به من أفلامه الطويلة والقصيرة، ما يتيح ربما للمرة الأولى في مهرجان متخصّص من هذا المستوى، إلقاء نظرة شاملة على واحدة من الفيلموغرافيات العربية الأكثر طموحاً وتنوعاً.
وإذ يقدم بيان المهرجان محمد ملص بوصفه واحداً من فرسان تيار «المخرجين المؤلفين» الذي غزا السينما السورية منذ بداية سنوات السبعين بفعل تضافر سينمائيين تكوّنوا في الخارج ونمواً على هامش الدائرة السينمائية التقليدية، ليرسموا على الشاشة حكايات شخصية عن أفراد غاصوا في دوامة تاريخ بلادهم. إذ يقدم المهرجان ملص على هذه الشاكلة، ويضيف أن «سوريا محمد ملص مسكونة بشخصيات آسرة. ففي الجانب الوثائقي لدينا من نزيه شهبندر إلى فاتح المدرّس إلى الشيخ صبري المدلّل. وفي الجانب السينمائي الروائي، لدينا المخرج نفسه وهو يعيد إلى الحياة على الشاشة، أقاربه وجيرانه في أحياء مدينة القنيطرة، مسقط رأسه التي دمرتها حرب تشرين وأُعيد بناؤها للضرورات السينمائية».
ولا بد من أن نشير هنا إلى أن تكريم محمد ملص وسينماه في فازول الفرنسية يتضمن عرض نحو دزينة من أفلام تحمل تواقيعه وتتراوح بين الوثائقي والروائي والقصير والطويل. أما الغريب في الأمر فهو أن بيان المهرجان، إذ يضع لائحة بأفلام محمد ملص التي يعرضها، يشير إلى معظمها على اعتبار أنه «لم يسبق عرضه» من دون أن يُحدّد أين. فالمعروف أن أفلام ملص جميعها عُرضت قبل الآن في مناسبات عديدة، لا سيما في فرنسا (معهد العالم العربي على سبيل المثال). ولعل المهرجان الفازولي يعني أنه لم يسبق له هو أن عرض في دوراته السابقة سوى «أحلام المدينة» و«الليل» و«باب المقام» ناهيك بـ «سلم إلى دمشق»، وهي على أي حال الأفلام الروائية الأربعة الرئيسة التي حققها ملص خلال مسيرة تقترب من النصف قرن حالياً. أما ما لم يسبق عرضه فهو الشرائط القصيرة «القنيطرة 74» و«الذاكرة» و«المنام» و«الظل والنور» (عن نزيه الشهبندر) و«المدرّس» (عن الرسام فاتح المدرّس) و«صبري مدلّل»، وأخيراً «على الرمل تحت الشمس». ومن اللافت أن هذه العروض الاسترجاعية لا تتضمّن أيّاً من الأفلام الطويلة أو القصيرة التي حققها ملص لحساب منتجين من منطقة الخليج!
مهما يكن، لن يكون محمد ملص العربي الوحيد من المنطقة في دورة مهرجان فازول، حيث ستشاركه الحضور المخرجة مي المصري عضواً في لجنة تحكيم المهرجان، إضافة إلى الزميلة الناقدة السورية المقيمة في فرنسا ندى الأزهري عضواً في لجنة التحكيم هي الأخرى. مع الإشارة إلى تظاهرة خاصة بعنوان «كلام نساء» تُعرَض فيها أفلام لمي المصري (3000 ليلة) وجوسلين صعب (سيدة من سايغون) والعراقية زينة آكيول (أرض الورود)، من دون أن ننسى تنظيم التظاهرة على هامش الدورة معرضاً فوتوغرافياً للمصوّر السوري زكريا عبد الكافي.
الفيلم الذي يتحدى محرّمات الحرب الأهلية اللبنانية
مونتريال- «الحياة»
لا شك في أن فيلم اللبناني زياد دويري الرابع «ملف القضية 23» - أو «الإهانة» - خرج من العام المنقضي 2017 بوصفه الفيلم العربي الذي أثار المقدار الأكبر من النقاش إلى جانب كونه واحداً من الأفلام اللبنانية الجادة والجيدة النادرة التي عرضت هذا العام على رغم الصخب، التلفزيوني لا أكثر، الذي صاحب عروض أفلام حملت هوية لبنانية لكن هويتها السينمائية بدت معدومة. وحده زياد دويري إذاً، أعطى السينما اللبنانية فيلماً قيّماً من المؤسف أن معظم السجالات التي دارت من حوله في الأوساط اللبنانية، كما في بعض الأوساط الفلسطينية، ذات القبضات المرفوعة باستمرار وغالباً في شكل سمج ولا علاقة له بالسينما نفسها. ونعرف الآن أن كل تلك السجالات لم تكن لها أية أصداء في عروض الفيلم المحلية والخارجية حيث حقق في كل مكان عُرض فيه نجاحات إستثنائية وتقديراً فنياً عالياً. ولئن كان آخر علامات هذا التقدير تفرد الفيلم، كما جاء في العديد من التقارير الصحافية أخيراً، بتقدمه، دون أي فيلم عربي آخر للترشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، فإن استمرار عروض الفيلم ولا سيما حيث ثمة جمهور لبناني أو عربي، يواصل فتح النقاش من حوله في شكل غير مسبوق، وهذا ما حدث أخيراً في مونتريال الكندية حيث عُرض الفيلم محققاً نجاحاً نقدياً وجماهيرياً ومثيراً كالعادة شتى ضروب السجالات. وكالعادة معظمها يأتي من خارج السياق!
شرخ ما...
إذاً، بدعوة من «الجمعية الكندية اللبنانية» شهد الفيلم اللبناني «الإهانة» - أو «القضية رقم 23» - بعد عرضه خلال الفترة السابقة في أكثر من صالة في مونتريال بمقاطعة كيبيك الكندية حيث يكثر المهاجرون اللبنانيون والعرب، إقبالاً كبيراً تفاوت الحضور فيه بين كثرة لافتة من اللبنانيين ومحدودية في أعداد الفلسطينيين والكنديين الذين تمكن من اجتذابهم. وربما أتى هذا التفاوت ناجماً عن قناعات مسبقة حيال أعمال المخرج زياد الدويري (سينمائي أميركي فرنسي لبناني) المثيرة للجدل والتي تتمحور بغالبيتها حول قضايا تعتبر خلافية في شكل أو آخر على الساحتين اللبنانية والفلسطينية.
ومنذ البداية هنا لا بد من التأكيد أن فيلم دويري الروائي الطويل الرابع هذا فيلم لبناني بنكهة فلسطينية. لكنه قبل هذا، عمل درامي بامتياز(113 دقيقة ). وهو ناطق باللغتين العربية والفرنسية، ومن بطولة عادل كرم (في دور طوني، ميكانيكي مسيحي يميني من بلدة الدامور) وكامل الباشا( ياسر، وهو عامل بناء مسلم فلسطيني مقيم في أحد أحياء بيروت) ودياموند بو عبود وريتا حايك.
يبدأ الفيلم كما بات معروفاً لعشرات الألوف من مشاهديه كما من متابعي ما كتب عنه بكثافة في الصحف، بمشادة عنيفة بين طوني وياسر حول قصة خلاف شخصي عابر، يتطور سريعاً إلى قضية رأي عام. ويقود هذا الرجلين إلى مواجهة أمام المحاكم، وإلى إثارة موجة من الانقسامات والنزاعات الطائفية بين اللبنانيين والفلسطينيين. وفيما تنكأ وقائع المحاكمة جراح الخصمين، يعود كل منهما إلى رشده، ويعترف بأنه مغلوب على أمره، وأنه أسير نزاع عبثي لم يولّد سوى الشرّ ومآسي العنف والقتل والتشريد والتدمير. وللتو تكشف الشاشة عن مشهد ملحمي إنساني مؤثّر، يؤكد العيش المشترك، وتصافي القلوب والنفوس، ويطوي صفحات الماضي الأليمة، وينبئ عن مصالحة تاريخية لا غلبة فيها لفريق على آخر.
في مثل هذه الانعطافية اللافتة التي تختلط فيها الأبعاد الدرامية بالنوازع السوسيولوجية والنفسية والطائفية، كان الحضور اللبناني، بغالبيته في الصالات وردود الفعل الكندية، متعاطفاً ومجمعاً على الخيار التصالحي الذي اتخذه فريقا النزاع. وكان منحازاً إلى جرأة الفيلم لكشفه حقيقة الأطراف السياسية التي تحاول استغلال الأزمات الاجتماعية وتحويلها إلى مطيّة لمصالحها. كما تميّز الفيلم بحبكة درامية عاطفية حبست أنفاس العديد من المشاهدين(بخاصة لدى بعض النساء). وكان ثمة كثر من هؤلاء المشاهدين أرجعتهم بعض اللقطات المؤلمة إلى ذكريات الحرب الأهلية. أما بعض المشاهدين من أبناء الجالية الفلسطينية، فقد أبدى امتعاضه مما اعتبروه «انحياز» المخرج إلى اليمين اللبناني و «عدوانيته» تجاه الشعب الفلسطيني.
إشادات كندية
وفي المقابل ضمن إطار ردود الفعل الصحافية والنقدية، أثنى نقاد كنديون كثر على ما اعتبروه «ذكاء المخرج»، و «نضجه السينمائي»، و «رؤيته الموضوعية»، و «جرأته في تناول المسائل الخلافية وتداعياتهاعلى المستويات الاجتماعية والسياسية والفنية».
كما أثنى الكثير من النقاد على كون المخرج قد اختار اللجوء، كسابقة سينمائية، إلى إدخال الأطراف المتنازعة أمام المحاكم لتنتهي قضاياها الخلافية إلى مصالحات وطنية، تماماً كمحاكاة الفيلم للخصمين (طوني وياسر) الآتيين من خلفيتين مختلفتين اجتماعياً ودينياً وشكلا في نهاية الأمر وجهين لعملة واحدة.
ورأى فيليب ديبوا الناقد الفني في مجلة «ناو-Now»، أن «الدويري باحث سينمائي يتلمّس المتاعب الشائكة، وتستهويه المسائل الدرامية الجدلية» ويضيف «أن الفيلم لا يطرح مسألة محسومة سلفاً بل يدفع إلى التفكير والتأمل والالتزام بالقضايا الوطنية والإنسانية العادلة». لافتاً إلى أنه على رغم جدية هذه المسائل وكونها مسائل شائكة «لا شك في أن الفيلم يتضمن جرعات وافرة من الأمل والمشاهد التي لا تخلو من الطرافة».
"الحياة"